كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية النقاب عن أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وحالة الغضب الشديدة التي سادت أنحاء العالم العربي والإسلامي إزاء ما فعلته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني باتت تهدد الأوضاع المعيشية للجاليات اليهودية القليلة جدا التي ما زالت تعيش في بعض البلدان العربية والإسلامية ومن بينها مصر.
وذكرت "هآرتس" في تقريرها الذي نشرته عبر موقعها الإليكتروني أن العدوان الإسرائيلي على غزة الذي بدأ في السابع والعشرين من شهر ديسمبر الماضي واستمر 22 يوماً بث الرعب في قلوب الجاليات اليهودية التي تعيش في بعض البلدان العربية ، خاصة في ظل استمرار تشكك الشعوب في جدوى وجود اليهود على أراضيهم من الأساس.
ونقلت الصحيفة بعض الأحداث والوقائع – التي نذكرها هنا دون تعليق – لحالات تحول فيها الغضب من إسرائيل إلى اعتداءات ومضايقات من جانب المسلمين.
وأشارت "هآرتس" إلى أن المسلمين في تركيا واليمن وأندونيسيا مثلا أغلقوا معابد يهودية , ورشقوا بيوت اليهود بالحجارة ، واستخدموا عبارات معادية للسامية , وعلى الرغم من كونها حوادث متفرقة ، فإنها كانت مقلقة بالنسبة بالنسبة للأقليات اليهودية في الأراضي العربية.
ويقول يسرون سامبا الذي ترعى عائلته المعبد اليهودي في إندونيسيا منذ عدة سنوات : "قبل أحداث غزة كان كل شيء طبيعياً , لكن الآن الوضع مختلف , ونحن قلقون للغاية من رد فعل الجماعات الإسلامية التي لا تريد بقاءنا هنا".
وكان هذا الغضب مرجعه – في العالم كله وليس في العالم الإسلامي وحده – أن العدوان الإسرائيلي هذه المرة كان أبشع من أي اعتداء آخر ، حيث أسفر عن استشهاد عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين وصل إلى 1330 , كما تم تدمير 14 ألف منزل و86 من المباني الرسمية ، مما خلف 600 ألف طن من الركام الأسمنتي , فيما قتل 13 إسرائيلياً فقط.
وحاولت إسرائيل تبرير ما حدث بقولها – كالمعتاد - إنها لم تتعمد إيذاء المدنيين , لكن المشكلة كانت في أن أماكن وجود "العناصر الإرهابية" – في إشارة إلى مقاتلي حماس - كانت في المناطق السكنية التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية!
ولذا ، فقد انطلقت المظاهرات في جميع أنحاء العالم الإسلامي , وفي أوروبا وفنزويلا , وتحول الغضب في بعض الحالات إلى عنف , حيث ألقى مجهولون قذائف نارية على معابد يهودية في بلجيكا والسويد وفرنسا , وتعرض بعض اليهود لاعتداءات بالضرب في إنجلترا والنرويج , أما في إيطاليا – والكلام ما زال على مسئولية الصحيفة الإسرائيلية - فقد صدر بيان يدعو إلى مقاطعة المحلات التي يمتلكها يهود , وفي فنزويلا ، حطم مجهولون معبداً يهوديا بكل ما فيه من رموز دينية يهودية وكتبوا على حوائط المعبد عبارات على غرار "يجب أن يخرج اليهود من أرضنا".
وفي اليمن ، رشق المتظاهرون المناهضون لإسرائيل منازل اليهود بالحجارة وحطموا النوافذ , وفي محاولة منه لإرضاء اليهود عرض الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على قادة الجالية اليهودية أن يترك اليهود مناطقهم في مقابل أن يحصلوا على أراض "مجانية" في العاصمة صنعاء , لكن لم يتم قبول عرضه.
ونوهت الصحيفة إلى أرقام تفيد بأنه يوجد 400 يهودي يعيشون في اليمن حاليا , يعيش 250 منهم في الأقاليم.
أما في أندونيسيا – أكبر بلد إسلامي في العالم والتي لا يعيش فيها سوى 12 يهودياً – فقد سار المتظاهرون حتى بوابات المعبد اليهودي الوحيد في إندونيسيا وهم يرددون "إسرائيل .. إذهبي إلى الجحيم".
ويقول عبد الصمد بوشوري قائد المتظاهرين : "لو لم توقف إسرائيل هجماتها على غزة واضطهادها للفلسطينيين , فلا يجب أن يستمر وجود هذا المعبد هنا".
وقال سامبا : "في الماضي , لم يكن اليهود يتعرضون لأي اعتداء , ولكن وبسبب ما حدث في غزة ، ستجد صلبانا معقوفة مرسومة على سيارات الأوتوبيسات" , في إشارة إلى الحقبة النازية التي يدعي اليهود أنها أبادت الكثير منهم.
وأضاف سامبا : "وبسبب كل هذا العداء اضطررنا للاختفاء عن العامة وعن وسائل الإعلام , إلا أننا أبلغنا الشرطة بكل ما نتعرض له".
وفي مصر وسوريا , كانت إجابات قادة الجاليات اليهودية عن أوضاع اليهود في الوقت الحالي هناك مقتضبة , حيث قالت كارمين وينيستين رئيسة الأقلية اليهودية في مصر : "لا توجد لدينا أي مشاكل , وليس لنا شأن بالسياسة" , وكانت إجابة ألبرت كومهو رئيس الجالية اليهودية في سوريا مشابهة ، حيث قال : "ليس لدينا ما نخشاه , ولسنا مشتركون في أي نشاط سياسي , ومعاملتنا طبيعية مع باقي أفراد المجتمع".
تجدر الإشارة إلى أن اليهود انتقلوا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعدما تم طردهم من إسبانيا في القرن الخامس عشر , وعادة ما كان اليهود ينفصلون بأنفسهم عن باقي الجيران المحيطين بهم , وكانوا مضطهدين في بعض الحالات , إلا أن وضعم ازداد سوءا في منتصف القرن العشرين بسبب روح القومية العربية التي سرت في العالم العربي وبسبب ما كان يتردد عن احتمال إقامة دولة عبرية, ومع قيام إسرائيل بالفعل عام 1948 ، هاجر إليها آلاف اليهود من الدول العربية التي لم يبق فيها سوى بضعة آلاف من اليهود.
وفي سوريا لا يتعدى عدد اليهود 100 شخص , وفي بغداد يوجد 12 يهودياً , أما في إيران وتركيا فتوجد النسبة الأكبر من اليهود.
وحاول اليهود الإيرانيون النأي بأنفسهم عن ممارسات الدولة العبرية ضد الفلسطينيين أثناء الهجوم على غزة , وأصدرت الجالية اليهودية هناك بيانا تشجب فيه العدوان الإسرائيلي , كما أعلنت أن العدوان لا يمثل الديانة اليهودية في شيء , ووصل الأمر ببعض اليهود إلى التظاهر أمام مكتب الأمم المتحدة في طهران في نهاية ديسمبر احتجاجا على الهجوم الدموي على غزة.
وعلى الرغم من أن الغضب التركي في مجملة كان موجها نحو دولة إسرائيل , إلا أن بعض المتظاهرين وجهوا غضبهم على اليهود بشكل عام وحملوا لافتات كتب عليها "يسمح بوجود الكلاب , أما اليهود والأرمانيون فلا".
وعن هذا علق سلفيو أوفاديا رئيس الجالية اليهودية في تركيا : "للجميع الحق في انتقاد إسرئيل , نحن نحترم هذا , إلا أن هذه الانتقادات لإسرائيل عادة ما تتحول إلى انتقادات على غرار "اللعنه على اليهود" , قبل غزة لم يكن هناك أي عداء".
وفي تركيا التي تعتبر الحليف الأقرب لإسرائيل في المنطقة العربية بأسرها , كانت هناك المظاهرات الأكبر والأعلى صوتا ضد اليهود وإسرائيل , ويكفي موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انسحب من منتدى دافوس بعدما واجه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بحصيلة الشهداء من المدنيين الفلسطينين.
وشعر يهود تركيا – الذين يصل عددهم إلى 23 ألف يهودي – بالخوف بعد تصريحات أردوغان بأن اليهود مرحب بهم في الدولة العثمانية كزوار وليس كمواطنين.
إلا أن أردوغان طمأن يهود تركيا – التي يعيش بها 70 مليون مسلم – بأن هجومه على إسرائيل ليس له علاقة باليهود والديانة اليهودية , كما قال : "لم يكن هناك أي عداء للسامية في تاريخ تركيا , وكأقلية فهم يعاملون مثل أي مواطنين عاديين , ونحن نضمن لهم كافة حقوقهم".